كمبردج (ولاية ماساتشوستس الأميركية):*
تؤثر الاضطرابات الوظيفية للمعدة والأمعاء على ما بين 38 و70 في المائة من الناس في وقت ما من حياتهم، وتعاني النساء منها أكثر من الرجال.
تعود الإصابة بهذه الاضطرابات إلى أسباب معينة، مثل الإصابة بعدوى، أو بالسرطان، وهي تؤدي إلى حدوث الألم والانتفاخ وأعراض غير مريحة أخرى. وتساهم عوامل متعددة، بيولوجية، نفسية، اجتماعية، في تطور الاضطراب الهضمي الوظيفي (functional gastrointestinal disorder).
وقد افترض الكثير من الدراسات أن التوتر قد يكون سببا مهمّا على وجه الخصوص. إلا أن العلاقة بين الوسط المحيط أو التوتر النفسي وبين الاضطراب الهضمي الوظيفي علاقة معقدة، وهي تتم في اتجاهين: إذ يمكن للتوتر من جهة أن يحفز الآلام الهضمية والأعراض الأخرى ويزيد من شدتها، والعكس بالعكس من جهة أخرى.
ولهذا السبب فإن أنواع العلاج النفسي لا تنفذ في الغالب إلا ضمن توليفة من وسائل العلاج الأخرى - أو وحدها - لعلاج الاضطرابات الهضمية الوظيفية.
* «العقل الثاني»
* إن الوظائف التي تديم حياة الإنسان مثل التنفس، نبضات القلب، ضغط الدم، درجة حرارة الجسم، يتم تنظيمها بواسطة الجهاز العصبي الذاتي. وتمتد الشبكة العصبية لهذا الجهاز من الدماغ نحو كل الأعضاء الرئيسية للجسم، ولها تفرعان رئيسيان: الجهاز العصبي السمبثاوي (sympathetic nervous system) الذي يحفز الجسم على الرد بعمليات «المجابهة أو الهروب»، والجهاز العصبي الباراسمبثاوي (parasympathetic nervous system) الذي يهدئ الجسم بعد زوال الخطر. ويتفاعل كلا هذين الجهازين العصبيين السمبثاوي والباراسمبثاوي مع جزء غير معروف جيدا من الجهاز العصبي الذاتي، وهو الجهاز العصبي المعوي (enteric nervous system) الذي يساعد على تنظيم عملية الهضم.
ويطلق على الجهاز العصبي المعوي أحيانا اسم «الدماغ الثاني»، لأن هذا الجهاز يعتمد على نفس أنواع الخلايا العصبية وعلى نفس أنواع النواقل العصبية الموجودة في الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والحبل الشوكي).
وما إن يحس هذا الجهاز المعوي بأن الطعام قد دخل إلى الأمعاء فإن الخلايا العصبية التي تغطي بطانة الجهاز الهضمي ترسل إشارات إلى خلايا العضلات لكي تنفذ سلسلة من الانقباضات المعوية التي تدفع الغذاء إلى أبعد فأبعد، مفككة إياه إلى عناصر غذائية وفضلات. وفي نفس الوقت يستخدم الجهاز العصبي المعوي النواقل العصبية مثل السيروتونين للاتصال بالجهاز العصبي المركزي والتفاعل معه.
ويساعد «محور الأمعاء - الدماغ» في تفسير مدى اهتمام الكثير من الباحثين لمحاولة فهم دور التوترات النفسية والاجتماعية في نشوء المشكلات الهضمية. وعندما يتعرض الشخص للتوتر الذي يدفع نحو تحفيز الجسم للاستجابة إما بـ«المجابهة» وإما «الهروب» مثلا، فإن عملية الهضم تتباطأ، بل تتوقف، لكي يتمكن الجسم من تحويل كل طاقته الداخلية لمواجهة التهديدات. أما عند الاستجابة لتوترات أقل حدة مثل الوقوف للتحدث أمام الحضور في قاعة، فإن عملية الهضم قد تتباطأ أو تضطرب مؤقتا، الأمر الذي يتسبب في حدوث آلام في البطن وأعراض أخرى للاضطراب الهضمي الوظيفي.
ومن الطبيعي أن يحدث هذا الأمر بشكل معاكس أيضا، أي أن وجود مشكلات دائمة في المعدة والأمعاء يزيد من القلق والتوتر.
* خيارات العلاج النفسي
* وتفترض دراسات المراجعة للأبحاث السابقة أن عدة أنواع من العلاج النفسي قد تساعد على تخفيف حالات الألم المعوي المتواصل، أو تساعد على الأقل الأشخاص على تعلم كيفية التعايش مع أعراضه. ورغم محدودية هذه الدراسات فإن الدلائل تفترض أن العلاجات النفسية التالية تخفف حالات الكثير من الأشخاص المصابين بالاضطرابات الهضمية الوظيفية:
* العلاج السلوكي المعرفي. وهذا العلاج المعتمد يساعد المصابين في تغيير أفكارهم وسلوكهم السلبي ويعينهم على تعلم التعايش مع التوتر والقلق. وقد وجدت دراسة امتدت 3 أشهر وشملت 431 من البالغين المصابين بالاضطرابات الهضمية الوظيفية، أن العلاج السلوكي المعرفي (cognitive behavioral therapy) كان أفضل بشكل ملموس في تحسين الأعراض مقارنة بدروس توعية المرضى المصابين، إلا أنه لم يؤثر إطلاقا، أو أثر قليلا، على تخفيف الألم.
وتفترض هذه الدراسات أن العلاج السلوكي المعرفي قد يكون الأفضل من غيره في مساعدة المصابين بالآلام الهضمية المستديمة، على التعايش معها، وليس تخفيفها. وتفترض أبحاث أولية أنه يمكن تكييف العلاج السلوكي المعرفي خصيصا للأطفال.
* العلاج بالاسترخاء. وهذا يشمل عددا من الوسائل المصممة لمساعدة المصابين بالاسترخاء وخفض مستوى استجاباتهم على التوتر.
وتشمل الوسائل الاسترخاء العضلي المتسلسل (progressive muscle relaxation)، وحث المعالجين على تكوين تصورات مرئية، والاستماع لموسيقى هادئة. ورغم أنه لم يتم البحث إلا نادرا في وسائل الاسترخاء وحدها، فإن الأبحاث تفترض أنها وسائل فعالة لعلاج الاضطرابات الهضمية إن تم إجراؤها مع العلاج السلوكي المعرفي.
* التنويم المغناطيسي. إن التنويم المغناطيسي الموجه لعلاج المشكلات الهضمية - الذي يشمل وسائل الاسترخاء مع مقترحات إيجابية موجهة حول وظيفة القناة الهضمية - قد يساعد الأشخاص حتى من الذين تظهر لديهم الأعراض من دون وجود توتر محسوس.
وفي دراسة مراقبة عشوائية صغيرة خضع مصابون بمتلازمة القولون العصبي الحادة، لعلاج التنويم المغناطيسي لمدة 3 أشهر، طلب منهم وضع أياديهم على بطونهم، عندما أجابوا بأنهم يشعرون بالدفء وأنهم يتحكمون بوظيفتهم الهضمية. وبنهاية الدراسة تحسنت الأعراض لدى مجموعة العلاج بالتنويم المغناطيسي بشكل ملموس، مقارنة بمجموعة المراقبة التي خضع أفرادها إلى علاج نفسي آخر. كما نفترض دراسة أخرى أن فوائد التنويم المغناطيسي الموجه للمشكلات الهضمية يمكنها أن تدوم لبضع سنوات.
* رسالة «هارفارد» للصحة العقلية، خدمات «تريبيون ميديا».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق